حين تؤيد المحكمة العسكرية الحكم بسجن مجدى حسين وتغريمه لأنه تضامن مع غزة بعد العدوان الإسرائيلى عليها، وحين يتم القبض على الدكتور عبدالمنعم أبو الفتوح وآخرين لأنهم جمعوا أموالا لاغاثة أهل غزة، فإن الذى يدان فى هذه الحالة ليس الذين ألقى بهم وراء القضبان، ولكنه «عقلية المطرقة» التى لاتجيد سوى القمع.
ما فعله مجدى حسين الأمين العام لحزب العمل وعضو نقابة الصحفيين لا يختلف فى شىء عما أقدم عليه الدكتور وليد الطباطبائى عضو مجلس الأمة الكويتى، الذى قدم إلى مصر فى الفترة ذاتها للتضامن مع شعب غزة المحاصر، ودخل إلى القطاع ثم خرج منه، وحين رجع إلى الكويت قال للصحفيين إنه دخل وخرج من خلال أحد الأنفاق، ونشر كلامه فى الصحف الكويتية وبعض الصحف المصرية، ومن ثم علمت به الأجهزة المعنية، وبعد أشهر فى تلك الواقعة جاء الرجل إلى القاهرة ليشارك فى أحد المؤتمرات، وتصادف أننى التقيته عند مغادرته فى مطار القاهرة، وسألته إن كان قد سئل عن رحلته عبر النفق إلى غزة من قبل أى جهة أمنية فى مصر، فنفى أن أحدا تعرض له.
ومافعله الدكتور أبو الفتوح وصحبه لم يكن أكثر مما فعله النائب البريطانى جورج جالاوى، الذى لم يكف عن نصرة شعب غزة المحاصر، وتعبئة الرأى العام الغربى لصالح إغاثة المحاصرين وتقديم العون لهم ونجحت مساعيه فى تنظيم أكثر من حملة شعبية، جاءت فى قوافل من أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، وقد اعلن فى القاهرة أخيرا أنه بصدد تنظيم حملة جديدة تأتى من أمريكا اللاتينية.
صحيح أن السلطات المصرية لم تكن سعيدة بهذه الحملات، وأنها وضعت عدة عراقيل فى طريقها، كما وضعت قيودا على المواد التى جاءت بها، فمنعت الأغذية ومررت الأدوية، وسمحت بعدد محدود من عربات الاسعاف المهداة إلى سلطات القطاع ومنعت عربات أخرى، رغم كل ذلك فإن جالاوى والناشطين الذين جاءوا معه دخلوا إلى غزة عبر بوابة رفح، واوصلوا رسالتهم إلى الفلسطينيين فى الداخل والرأى العام فى الخارج ثم عادوا أدراجهم سالمين.
لماذا حرم على المصريين ما أبيح لغيرهم؟ ردى على السؤال أن هناك حالة من الاستباحة للمواطنين المصريين سوغت للأجهزة الأمنية ان تستخدم بحقهم نهج المطرقة على نطاق واسع، وهو المنهج الذى يجسد موقف عدم الاكتراث واللامبالاة التى تصل إلى حد الازدراء بل والافتراء فى حالات كثيرة، أما فيما يخص غير المصريين، فإن المطرقة لا تختفى، ولكنها تستخدم بحذر خشية الفضيحة فى العالم الخارجى، إن شئت فقل إن الرأى العام المصرى ليس محل اعتبار فى الحالة الأولى، خصوصا فى ظل هيمنة الأجهزة الأمنية واختراقها لوسائل الإعلام، بما يمكنها من تبرير ممارستها وتلطيخ سمعة الأشخاص المستهدفين، أما فى الحالة الثانية فإن الوضع كله خارج السيطرة، واحتمالات الفضيحة واردة بقوة إذا تم اشهار المطرقة على صورتها الحقيقية.
إذا صح هذا التحليل فإن لنا أن نقول
إنه فى الموقف الذى نحن بصدده فإن القرار الأمنى هو الذى هيمن على المشهد من أوله إلى آخره فى الحالة الأولى، أما فى الحالة الثانية فإن الملاءمات السياسية كانت حاضرة فى القرار. وهو ما يعيد إلى الاذهان قصة العلاقة بين الأمن والسياسة فى مصر، وكيف أن الأمن هو الذى يسير السياسة على عكس المعمول به فى العالم المعاصر، على الأقل فى الديمقراطيات التى تحترم فيها إرادة الشعوب وكرامةالمواطنين، ومن ثم يعمل للرأى العام ألف حساب لأن شرعية السلطة مستمرة من إرضائه.
إن ما جرى مع مجدى حسين والدكتور ابوالفتوح ورفاقه يعد فضيحة بكل المقاييس لا تسىء فقط إلى الرجلين ومن معهما بما تشكله من عدوان على حريتهم وتدمير لحياتهم، ولكنه أيضا يشين النظام الذى لجأ الى قمعهم لمجرد أنهم تصرفوا كوطنيين شرفاء، كانت جريمتهم أنهم ساندوا الشعب الفلسطينى المحاصر فى غزة، ولم يتوقعوا أن يكرموا أو يكافأوا، لكنهم أيضا لم يخطر على بالهم أن يلقوا فى السجن جراء ما فعلوه.
إن عقلية المطرقة الحاكمة ترتكب حماقات تجعلها لا تختلف كثيرا عن تلك الدبة التى هشمت رأس صاحبها وهى تحاول أن تهش ذبابة حطت على وجهه.
ولو أن لدى أهل القرار بعض الرشد، لدعوا إلى كبح جماحها، إن لم يكن حفاظا على كرامات الناس، فعلى الأقل حفاظا على رصيد النظام ومصلحته.
________________________
إنتهى المقال
ما استوقفني بالفعل فيه
"لماذا حرم على المصريين ما أبيح لغيرهم؟ ردى على السؤال أن هناك حالة من الاستباحة للمواطنين المصريين سوغت للأجهزة الأمنية ان تستخدم بحقهم نهج المطرقة على نطاق واسع وهو المنهج الذى يجسد موقف عدم الاكتراث واللامبالاة التى تصل إلى حد الازدراء بل والافتراء فى حالات كثيرة، أما فيما يخص غير المصريين، فإن المطرقة لا تختفى، ولكنها تستخدم بحذر خشية الفضيحة فى العالم الخارجى، إن شئت فقل إن الرأى العام المصرى ليس محل اعتبار فى الحالة الأولى، خصوصا فى ظل هيمنة الأجهزة الأمنية واختراقها لوسائل الإعلام، بما يمكنها من تبرير ممارستها وتلطيخ سمعة الأشخاص المستهدفين، أما فى الحالة الثانية فإن الوضع كله خارج السيطرة، واحتمالات الفضيحة واردة بقوة إذا تم اشهار المطرقة على صورتها الحقيقية. "
ألم يحن الوقت لكي نفضح النظام في الخارج ونوقف تلك الإستباحه
ما فعله مجدى حسين الأمين العام لحزب العمل وعضو نقابة الصحفيين لا يختلف فى شىء عما أقدم عليه الدكتور وليد الطباطبائى عضو مجلس الأمة الكويتى، الذى قدم إلى مصر فى الفترة ذاتها للتضامن مع شعب غزة المحاصر، ودخل إلى القطاع ثم خرج منه، وحين رجع إلى الكويت قال للصحفيين إنه دخل وخرج من خلال أحد الأنفاق، ونشر كلامه فى الصحف الكويتية وبعض الصحف المصرية، ومن ثم علمت به الأجهزة المعنية، وبعد أشهر فى تلك الواقعة جاء الرجل إلى القاهرة ليشارك فى أحد المؤتمرات، وتصادف أننى التقيته عند مغادرته فى مطار القاهرة، وسألته إن كان قد سئل عن رحلته عبر النفق إلى غزة من قبل أى جهة أمنية فى مصر، فنفى أن أحدا تعرض له.
ومافعله الدكتور أبو الفتوح وصحبه لم يكن أكثر مما فعله النائب البريطانى جورج جالاوى، الذى لم يكف عن نصرة شعب غزة المحاصر، وتعبئة الرأى العام الغربى لصالح إغاثة المحاصرين وتقديم العون لهم ونجحت مساعيه فى تنظيم أكثر من حملة شعبية، جاءت فى قوافل من أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، وقد اعلن فى القاهرة أخيرا أنه بصدد تنظيم حملة جديدة تأتى من أمريكا اللاتينية.
صحيح أن السلطات المصرية لم تكن سعيدة بهذه الحملات، وأنها وضعت عدة عراقيل فى طريقها، كما وضعت قيودا على المواد التى جاءت بها، فمنعت الأغذية ومررت الأدوية، وسمحت بعدد محدود من عربات الاسعاف المهداة إلى سلطات القطاع ومنعت عربات أخرى، رغم كل ذلك فإن جالاوى والناشطين الذين جاءوا معه دخلوا إلى غزة عبر بوابة رفح، واوصلوا رسالتهم إلى الفلسطينيين فى الداخل والرأى العام فى الخارج ثم عادوا أدراجهم سالمين.
لماذا حرم على المصريين ما أبيح لغيرهم؟ ردى على السؤال أن هناك حالة من الاستباحة للمواطنين المصريين سوغت للأجهزة الأمنية ان تستخدم بحقهم نهج المطرقة على نطاق واسع، وهو المنهج الذى يجسد موقف عدم الاكتراث واللامبالاة التى تصل إلى حد الازدراء بل والافتراء فى حالات كثيرة، أما فيما يخص غير المصريين، فإن المطرقة لا تختفى، ولكنها تستخدم بحذر خشية الفضيحة فى العالم الخارجى، إن شئت فقل إن الرأى العام المصرى ليس محل اعتبار فى الحالة الأولى، خصوصا فى ظل هيمنة الأجهزة الأمنية واختراقها لوسائل الإعلام، بما يمكنها من تبرير ممارستها وتلطيخ سمعة الأشخاص المستهدفين، أما فى الحالة الثانية فإن الوضع كله خارج السيطرة، واحتمالات الفضيحة واردة بقوة إذا تم اشهار المطرقة على صورتها الحقيقية.
إذا صح هذا التحليل فإن لنا أن نقول
إنه فى الموقف الذى نحن بصدده فإن القرار الأمنى هو الذى هيمن على المشهد من أوله إلى آخره فى الحالة الأولى، أما فى الحالة الثانية فإن الملاءمات السياسية كانت حاضرة فى القرار. وهو ما يعيد إلى الاذهان قصة العلاقة بين الأمن والسياسة فى مصر، وكيف أن الأمن هو الذى يسير السياسة على عكس المعمول به فى العالم المعاصر، على الأقل فى الديمقراطيات التى تحترم فيها إرادة الشعوب وكرامةالمواطنين، ومن ثم يعمل للرأى العام ألف حساب لأن شرعية السلطة مستمرة من إرضائه.
إن ما جرى مع مجدى حسين والدكتور ابوالفتوح ورفاقه يعد فضيحة بكل المقاييس لا تسىء فقط إلى الرجلين ومن معهما بما تشكله من عدوان على حريتهم وتدمير لحياتهم، ولكنه أيضا يشين النظام الذى لجأ الى قمعهم لمجرد أنهم تصرفوا كوطنيين شرفاء، كانت جريمتهم أنهم ساندوا الشعب الفلسطينى المحاصر فى غزة، ولم يتوقعوا أن يكرموا أو يكافأوا، لكنهم أيضا لم يخطر على بالهم أن يلقوا فى السجن جراء ما فعلوه.
إن عقلية المطرقة الحاكمة ترتكب حماقات تجعلها لا تختلف كثيرا عن تلك الدبة التى هشمت رأس صاحبها وهى تحاول أن تهش ذبابة حطت على وجهه.
ولو أن لدى أهل القرار بعض الرشد، لدعوا إلى كبح جماحها، إن لم يكن حفاظا على كرامات الناس، فعلى الأقل حفاظا على رصيد النظام ومصلحته.
________________________
إنتهى المقال
ما استوقفني بالفعل فيه
"لماذا حرم على المصريين ما أبيح لغيرهم؟ ردى على السؤال أن هناك حالة من الاستباحة للمواطنين المصريين سوغت للأجهزة الأمنية ان تستخدم بحقهم نهج المطرقة على نطاق واسع وهو المنهج الذى يجسد موقف عدم الاكتراث واللامبالاة التى تصل إلى حد الازدراء بل والافتراء فى حالات كثيرة، أما فيما يخص غير المصريين، فإن المطرقة لا تختفى، ولكنها تستخدم بحذر خشية الفضيحة فى العالم الخارجى، إن شئت فقل إن الرأى العام المصرى ليس محل اعتبار فى الحالة الأولى، خصوصا فى ظل هيمنة الأجهزة الأمنية واختراقها لوسائل الإعلام، بما يمكنها من تبرير ممارستها وتلطيخ سمعة الأشخاص المستهدفين، أما فى الحالة الثانية فإن الوضع كله خارج السيطرة، واحتمالات الفضيحة واردة بقوة إذا تم اشهار المطرقة على صورتها الحقيقية. "
ألم يحن الوقت لكي نفضح النظام في الخارج ونوقف تلك الإستباحه